أحمد بن قاسم الغامدي: هل سيكون القشة التي قصمت ظهر الهيئة ؟

مدخل:

منذ بدايات الدولة السعودية الحديثة، سارت الدولة يداً بيد مع رجال الدين في سبيل تهذيب وحماية المجتمع الذي توحد تحت راية واحدة. من الطبيعي ومع وجود تيارات عقائدية مختلفة – من حنفية وشافعية وحنبلية ومالكية في ذلك الوقت أن تكون البداية بتوحيد الإختلافات وتسوية الفروقات وذلك باختيار تيار واحد ليتبعه الجميع وذلك ماكان. مما لاشك فيه أن من دعائم أي مبدأ هو الاتباع والإلتزام، وبما أن البشر جبلوا على النسيان والخطأ فلا بأس من التذكير والوعظ وذلك هو جوهر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن هل سيقوم بهذه المهمة ملائكة أو رسل؟ بالطبع لا بل سيقوم بها بشر مثل البشر الذين يحتاجون الوعظ والنصح ولايفرق هذا عن ذاك سوى تزكية أو ظاهر صلاح ممن انتدب لمهمة الأمر والنهي. ولكن وبما أن طبع بعض البشر في كثير من الأحيان يغلب عليه الغوص في سوابر المهمة المناطة إليهم فتجد أحدهم قد نسي أنه بشر ورقى نفسه لمرتبة الملائكة المنزهين عن الخطأ أو النسيان وربما لما هو أكبر من ذلك: يتولى كشف العورات وانتهاك الحرمات. ذلك لايعني بالضرورة أن نعمم أو أن جميع من يقوم بهذه المهمة هم من هذه النوعية بل بالتأكيد أن منهم من إن نصحك امتلكك بحسن خلقه وطيب ملفظه. لكن وبما أن الجميع من البشر فإن الطرف الآخر المعارض يرى بأن مهمة الأمر والنهي لابد أن تلغى أو أن يعاقب مؤدوها بناءاً على ما رسمته تلك الفئة السابقة ذكرها. في كلا الحالتين وفي النهاية لا ننسى بأن جميعنا بشر.

الغامدي والهيئة: عندما أكلت القطة أبنائها!!

منذ زمن ونحن نسمع ونقرأ ونرى أحياناً مايقوم به رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الحسبةوهي مبدأ إسلامي يعتمد على قيام مجموعة من المسلمين بالنصح لإخوانهم المسلمين إن رأوا منهم منكراً أو تذكيرهم إن غفلو عن أداء فرائضهم اليومية. ولكن هل النصح والتذكير يتطلب الإجبار؟ ليس بالضرورة ولكن وكأي شئ في هذه الدنيا: نتفق على سلامة الفكرة ولكن قد نختلف على طريقة تنفيذها وسلوك من ينفذها. رجال الهيئة هم ممن يفترض فيهم تميزهم عن باقي مجتمعاتهم بالوعي والثقافة والإلتزام بالدين دون إفراط أو تفريط. ولايعني ذلك أنهم منزهون عن الخطأ أو الزلل ولكن ولسبب ما درج الناس في بلادنا على أن رجل الهيئة مطوعوهي رتبة تقتضي أن يكون حاملها ذو علمي شرعي غزير وأدب خلقي رفيع يصقل بمعاشرة صفوة القوم من علماء ومفكرين وأدباء لأن الدين ليس محصوراً فقط على الصلاة والصوم والزكاة. هذا الإعتقاد ولد عند من يندرج تحت مظلة الهيئة مناعة عقائدية وحصانة نفسية قد تؤدي لسوء إستغلالها من الشخص إن كان حديث عهد بهذه الأمور. تتوالى السنون ونلحظ إرتفاع وتيرة الجدال بين طرفين من المجتمع بخصوص هذا الجهاز وأفراده: طرف مؤيد ومنحاز إنحياراً تاماً وكاملاً دون نقاش أو تدبر لما تقوم به هذه الجهة ممثلة بسلوك وممارسات أفرادها وأنه بغض النظر عما إذا كانت هناك تجاوزات أو تصرفات فردية لاتمت للدين أو العرف أو حتى المنطق بصلة فإن هذا الطرف يرى في فئات من المجتمع شياطين مسرحة وأبالسة لايردعهم سوى القمع والتأنيب. على الضفة الأخرى يتواجد فريق يرى بأن هذا الجهاز وموظفيه يعتمدون على مبدأ لا يعتبر حضارياً بالنسبة لهم ويعارضون أشد المعارضة وبدون أي مجال للتفكير أو النقاش الموافقة على أن هؤلاء الأشخاص مؤهلون للنصح والإرشاد. يقبع فريق ثالث حائر بين الموافقة على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الإعتراض على سلوكيات وتصرفات أشخاص وأفراد من أعضاء الهيئة تؤدي إلى تشويه صورة فريق بأكمله قد يكون فيه من خيرة القوم ومن يحرص على الخير للجميع. طبعاً هذا الجدال زادت حدته في الفترة الأخيرة لتصبح أخبار وحوادث هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مادة دسمة للمتابعين من الفريقين. حتى كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما ظهر مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة أحمد الغامدي وصرح بأن الإختلاط – الذي تحاربه الهيئة بشكل أساسيمشروع وهو مع اختلاف الأراء عليه فإنه جائز. طبعاً مع ماتبع ذلك من حديث فإن هذا التصريح قد أشعل الفتيل داخل جهاز الهيئة نفسه لتقوم قيامة رجال من الهيئة وتطالب بعزل الرجل من منصبه والتبرأ منه وما إلى ذلك من مطالبات. إذن الرجل خرج عن الطاعة وأبدى رأياً منافياً تماماً لما خاضت لأجله الهيئة حروباً طاحنة مع من تعتبرهم جند إبليس في الأرضوضربت بكل ما أوتيت من سلطة وقوة – مفرطة في بعض الأحيانلتمنع هذا الأمر وتأتي أيها السيد لتتمرد على من حملوك أمانة عظيمة؟ على الطرف الآخر وجد امعارضون فرصة ذهبية للإقتصاص من الهيئة وكتبت المقالات وسردت الحكايات عن أنه ورغم كل الحروب الطاحنة التي خاضته الهيئة ولكن يأتي من بين أضلعهم من يثبت لهم خطأ معتقدهم وسلوكهم. هنا أتوقف للحظات لأمر شد إنتباهي في خضم متابعتي لهذه القضية وهو قيام أشخاص بتتبع تاريخ الرجلالعلمي خصوصاًليكشفوا للعالم أن الأخ مدير الفرع يحمل شهادة محاسبة وبدأوا بناء هجومهم عليه على هذه النقطة وأنه ليس مؤهلاً للفتوى. أتسائل لو لم يقل الغامدي ما قاله هل كان أحد من هؤلاء ليتجرأ ويتفوه بهذا الكلام؟ هل كان أحد هؤلاء – وأنا متأكد أن بعضهم كان يمجد ويعظم الرجل قبل الواقعة – ليسأل نفسه ويسأل من حوله عن مؤهل الرجل الذي وضعه في هذا المنصب؟ إذن، نحن أمام أمر لا يخفى على العاقل ألا وهو أن الإنضمام لهذا الجهاز – حسب الأراء المناهضة للغامديلايقتضي علماً شرعياً أو دراية فقهية بل هو يحتاج ل:

١تطويل اللحية

٢تقصير الثوب

٣إظهار الصلاح

٤قمع الرأي المخالف لبعض المهيمنين على الهيئة كجهاز

٥التسليم التام لفئة معينة في الهيئة وأن أي مخالفة للرأي تعني الفضح والتشهير

وإلا فعليه أن يخرج علينا رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بميثاق يوضح ماهية الأشخاص المنتمين لهذا الجهاز وماهي المؤهلات المتطلب تواجدها فيمن يود الإنضمام له. فإن كان الأساس العلم الشرعي فإنني لا أشك أن عدداً كبيراً ممن يشغلون مناصب في الهيئة قد لا يحملون شهادة واحدة في العلم الشرعي – وهو ما يستخدمه جلادو أحمد قاسم الغامدي لمعاقبته – وعندئذ يكون السؤال: من سمح لهم بشغل هذه المناصب؟ وإن كان الأساس أمور أخرى بخلاف التحصيل العلمي فعندئذ تسقط أحقية تابعي الجهاز من العامة في استغلال السلطة لمحاولة تفريغ طاقات مكبوتة على العامة أمثالهم باسم الشرع . وإذن لايحق لهؤلاء فرض إعتقاد واحد في أمر ما على باقي البشر لأنهم ببساطة ليسوا مؤهلين للفتوى كصاحبهم الذي التفوا عليه ليذيقوه مرارة وعلقم مخالفتهم. لقد زرع في نفوس فئة كبيرة من السعوديين أن رجل الهيئة هو رجل قدوة في علمه الشرعي ولكن لما أظهر بعض من المنتسبين له سلوكيات متطرفة وقمع للرأي الآخر وتهميش وتحقير المخالفين واستحلال هتك الخصوصيات، تولد شعور بالنفور والضيق من هذا الجهاز بغض النظر عن وجود خيرين ورجال حسبة حقيقين ضمن هذا الجهاز. في اعتقادي أن تصريح الغامدي ماهو إلا بداية أحد أمرين: تغيير يطال مبدأ جهاز الهيئة من حيث ممثليه بحيث يصحح الخطأ أو يظهر الصواب للعامة، أو أن يقدم الغامدي كبشاً للفداء لمصلحة جماعة من الهيئة ترى في التغيير نهاية لها.

في النهاية ما دونته أعلاه هو مجرد رأي وقراءة شخصية لاتعني أنني معارض للهيئة أو مناصر لأحمد الغامدي. إنما أنا إنسان لي عقل و رزقني الله تفكيراً ومنطقاً يجعلني أفرق بين الخير والشر دون الحاجة لتغييب عقلي. ولا أنسى أن أختم بأنني بشرأخطئ وأصيب. الكمال لله رب العالمين!!

1 thoughts on “أحمد بن قاسم الغامدي: هل سيكون القشة التي قصمت ظهر الهيئة ؟

  1. شيخنا الفاضل احمد بن قاسم الغامدي ماهي الا زوبعة في فنجان وتزول .لقد رجعت باالذاكره عند علمي بفتواك الجريئه الى عهد ماقبل (الدش) عند بداية دخول القنوات الفضائيه ارض الحرمين وقامت الدنيا وقعدت وها نحن ننعم بفضاء ملئ باالقنوات التي تعج بكل صالح وطالح حتى اصبح الوضع اكثر من طبيعي .فامضي شيخنا الفاضل في فتواك ولا تعطي بالا لأولائك المتشددين المتنطعين في الدين (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم بحسبون انهم يحسنون صنعا).شيخنا الفاضل احمدبن قاسم الغامدي جزاك الله خير الجزاء وجعلها في ميزان حسناتك .

أضف تعليق