أمطار جدة: حكاية من التراث السعودي!!

مقدمة: إعلم يارعاك الله أننا في زمن أصبح فيه العاقل حيراناً، وعديم الأمانة مستأمناً، وضيعت الأمانة وضاعت جدة بضياعها. فغرقت بيوت وهدمت صوامع وتشردت أسر وفاضت أنفس إلى باريها وهي تشكو إليه قلة حيلتها وهوانها على “ناس الأمانة” ولعلهم الآن يتندرون بما يحصل في أرضنا من فساد وسوء وانعدام أمانة وذمة. فلا تحزن عليهم ولكن ارفع صوتك عالياً بالدعاء : لمن تتضرر بالرحمة ، وعلى من ضيع حق الناس بالمحاسبة إن لم يكن في دنيا فانية ففي آخرة عادلة عند من لاتضيع عنده الحقوق.

لعله أصبح من الواضح للعاقل أن ما جرى في جدة بعد مطر الأربع ساعات يوم الأربعاء لم يكن ليتحول إلى كارثة لو كانت الأمانات دفعت إلى أهلها حتى يقوموا بها. ولكن جشع وموت ضمائر ثلة من “مقاولي” الشعب حولت الرحمة إلى نقمة ولو أن الله العالم بكل شئ أنزل المطر وهو يعلم ما سيحصل.

إن من المتعارف عليه عند قاطني جدة وماحولها – ومؤخراً أغلب الدول المجاورة- أن مجرد بوادر المطر تعني بداية معاناة السكان مع مابعد المطر. فلا شوارع تسلم ولا بشر تنعم ولا خدمات تقدم.

كان من الطبيعي أن ترى سكان جدة يتحضرون للبقاء في منازلهم حتى تزول معظم مياه الأمطار، وكيف لها أن تزول بدون تدخل من “مقاولي” الشفط بالمعدات. أصبح من الثابت في كل مجلس واجتماع تداول أهالي الحي والمدينة لموضوع هو بالنسبة لهم كقصص ” ألف ليلة وليلة” من حيث الخيال واستحالة وقوعها في الحقيقة- ألا وهو موضوع شبكة الصرف الصحي. كم من أناس ولدت وعاشت ثم ماتت وهي لم ترى أي طرف لهذه الشبكة. بل كم من مخلص مات وهو في قلبه حسرة على هذه “الخرافة” التي كانت لتتحقق لو أن أول أبطال الرواية والمدعو ” الفارسي”  قام بتحويلها إلي حقيقة بدلاً من نثر الميداين ال” الاحتيالية”هنا وهناك.

ذهب بطل وجاء غيره آخرون لكن أحداً منهم لم يستطع الإقدام على تحويل الحلم إلى واقع ملموس. ومع كل مطر كان البطل ينثر صلاوته ألا تنكشف عورات المدينة حتى لا يستفيق السكان من سباتهم وأحلامهم على حقيقته البشعة.

مضى الأمر كذلك حتى جاء يوم الأربعاء وهو يحمل في جنباته مالم يتوقعه أشد المتشائمين: فتحت السماء أبوابها وسكبت على الأرض دموع أهل السماء على حال أهل الأرض، سكبت غضب ومقت كل خطيئة وجريمة، كل دنيئة وذميمة، و كأني بالمطر نزل ليغسل الأرض من أوساخ بعض من حسبوا على البشر الذين تاجروا بأرواح الضعفاء ليبنوا بها ثرواتهم التي جاوزت جبروت قارون و طغيان فرعون.

لعل الذي حصل يوم الأربعاء يحسب من قصص الخيال والعنقاء وألف ليلة وليلة: سيارات تسبح في الماء وبيوت تتهدم ومنشئات لم يمض على انجازها أشهر- صرف عليها الملايين- تغرق وتتعبأ بمياة الأمطار. أسوار وقعت وأحياء طمست ومعالم لم يعد لها أثر وبيوت أفنى أصحابها عمرهم لتملكها أصبحت أثراً بعد عين.

إن ما يميز “فضيحة” الأربعاء هو استخدام التكنولوجيا لتوثيق العورات التي كشفت. فمجرد مسح بسيط للمقاطع التي رفعت على الانترنت ستجد اثباتات من كل حدب وصوب في جدة لما اتكلم ويتكلم عنه كل غيور على بلده وحقوق اخوانه من الشعب.

إن مما لاشك فيه أن الملك عبدالله لن يرضى بما حصل وسيغضب للأنفس التي أهلكت والأموال التي أهدرت، ونعلم أن خالد الفيصل رجل يحب التحدي بإصلاح ما يصعب إصلاحه وهو مشهود له بالصرامة وعدم المحاباة. إننا لننتظر أن تتم محاسبة من باع ضميره وذمته للشيطان والأخذ بحقوق الذين ذهبوا ضحية هذه الشرذمة التي وإن أفلتت في الدنيا من عقاب الحاكم فإنها لن تفلت من حساب العادل الجبار يوم الحساب.

إنا لله وإنا إليه راجعون

4 thoughts on “أمطار جدة: حكاية من التراث السعودي!!

  1. التنبيهات: Global Voices in het Nederlands » Saudi-Arabië: Burgers woedend over doden door overstroming

  2. التنبيهات: Global Voices in Italiano » Arabia Saudita: la rabbia dei cittadini dopo le vittime delle inondazioni

أضف تعليق